أثبتت عمليات الحرق والتخريب المتكررة لمقرات النهضة في مناطق مختلفة من البلاد على يد عصابات الجبهة الشعبية واتحاد الشغل ، و كظم الحركة لغيظها و عدم انجرارها إلى ردود الأفعال العنيفة أنها الأقدر على صون تونس من الاقتتال والانقسام الداخلي .
لقد بنت قيادات الحركة مقاربتها للوضع الداخلي على الحديث الشريف الذي تحدث فيه النبي عليه الصلاة والسلام عن (أم الولد) أي تلك المرأة التي نازعتها امرأة أخرى في أمومتها لأحد الرضّع ، فرضيت بحكم النبي سليمان عليه السلام في أن يُعطى وليدُها لتلك المرأة الكاذبة تفاديا لقطعه إلى شقين مما يعني موته حتما .

النهضة ذهبت إلى تحمل الأذى وحملات التخوين والتشكيك والإرجاف ودعوات الانقلاب وحرق المقرات واستهداف المناضلين واستعداء الخارج والداخل عليها ولم تنجر إلى الحرب ولا إلى رفع السلاح ولا إلى حرق مقرات الأحزاب الأخرى ومنتسبيها ولا اغتيال معارضيها ولا اعتقالهم وأثبتت بذلك أنها حركة إسلامية ناضجة ومسؤولة وأكثر حزب فهم ماذا تعني : المصلحة العليا للوطن ، وفهم ماذا يعني أن تكون مسؤولا عن وطن يكيد له الكائدون ويتآمر عليه المتآمرون فيتسامى عن الأحقاد والضغائن ويذهب لترميم بنيان الوطن بدل الدخول في معارك أوصلت بلدانا أخرى في المنطقة إلى حرب الأخ مع أخيه والجار مع جاره والصديق مع صديقه .
من السهل أن تنساق السلطة وراء عواطفها وأهوائها فتنزل للانتقام من خصومها التجمعيين واليساريين والنقابيين الفاسدين فتسلط عليهم جام غضبها وتزجّ بهم في غياهب السجون وتعذّبهم وتغيّبهم تحت اللحود مثلما يفعل جميع جباري الأرض ، ولكن النهضة لم تفعل ، لأن ذلك يعني عودة أسلوب بن علي الاستبدادي وتكرار مآسيه ولكن هذه المرة بأيدي من كانوا من ضحاياه منذ عهد قريب ، بل إنها رضيت بأن تُنعت بالسلبية والانبطاح والتخاذل أمام خصومها ، واعتبرت تلك الاتهامات مفخرة لها و خيرا من أن يقال عنها أنها مارست القمع والاستبداد وكممت الأفواه وجلدت المعارضين .
النهضة هي من حمَت بعد الله عز وجل ّ إرادةَ الشعب من عبث حمة والسبسي وأمثالهما ،
وهي من حمت البلاد من البُغاة المعتدين الجاهلين بالدين ،
وهي من حمت البلاد من حكومة تجمعية انقلابية ،
وهي من حمت تونس من الحرب الأهلية وانقسام البلاد إلى كفار ومسلمين أو ساحل وداخل أو شمال وجنوب أو ما شابه ذلك ،
وهي من حمت جيوب المواطنين من نهب المهرّبين و مكر المحتكرين ،
وهي من خصصت للفقراء والمحتاجين والمناطق المهمّشة ميزانية لم تعرف تونس مثلها منذ الاستقلال إلى اليوم ،
وهي من شغّلت الرقم القياسي من العاطلين وحاملي الشهادات العليا ،
وهي من قدّمت زيادات تاريخية غير مسبوقة في أجور مواطنيها ،
وهي من بنت كما كبيرا من المساكن الشعبية لضعاف الحال ..
وغير ذلك كثير مما يطول إحصاؤُه ..
لقد اجتهدت النهضة في عملها ووفّقت في أشياء وأخفقت في أشياء وتلك ميزة العمل البشري الموسوم بالنقص والتقصير ولكن التاريخ سيشهد بأن حكومتها كانت الأكثر نظافة ونزاهة واستقامة وحرّية في تاريخ تونس المعاصر .
komentar masuk : 0
Enregistrer un commentaire