السبت 09 نوفمبر 2013 تونس - الضمير - محمّد القاسم
لجنة كشف الحقيقة في اغتيال الفقيدين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي في اتجاهها لأن تفقد نهائيا مصداقيتها،إذ باتت تحرّكاتها تحملُ أكثر من شُبهة فحتّى بعيدا عن تهافت ما تُقدّمهُ من معطيات وبيانات فإنّ توقيت ندواتها الصحفيّة يحملُ أكثر من لغز مُحيّر.
الجميع اليوم يتساءل عن العلاقة الخفيّة بين اللجنة المذكورة وتحولات المشهد السياسي الوطني، هل اللجنة فعلا تبحثُ عن "الحقيقة" أم هي أداة ووسيلة في يد جهة سياسيّة مّا تُحرّكها متى تشاء ولغاية في نفس يعقوب!!.
اقدام اللجنة في مرتين متتاليتين الى عقد ندوتين صحيفتين في ظل حالة من التعبئة و"التجييش الإعلامي" مثار للريبة ، فبعد الندوة الصحفيّة التي عقدتها اللجنة وأشرف عليها العقيلي بالطيّب (شقيق سمير بالطيب العضو بالتأسيسي وبحزب المسار وجبهة الانقاذ) وندوة أوّل أمس التي سطع فيها اسم المحامي والوجه الحقوقي المختار الطريفي لم يعد من شك في وجود تنسيق محكم بين اللجنة وأطراف مشاركة في الحوار الوطني وذلك لاعتبارين اثنين:
١- ندوة العقلي سبقت الامضاء على وثيقة مبادرة الرباعيّة وخارطة الطريق وجاءت بهدف التشويش على تحضيرات المؤتمر الذي انعقد بحضور مختلف الاطراف السياسيّة وربّما منع انعقاده.
٢- ندوة الطريفي جاءت في وقت ينتظر فيه الجميع انطلاق الجولة الثانية من الحوار الوطني لتفعيل خارطة الطريق بعد تعليق الجولة الاولى على خلافات حول اسم المرشح لرئاسة الحكومة.
فالرابط متين وجليّ بين الندوتين الصحفيتين ومسار الحوار الوطني.
- اتهامات خطيرة وتشويش
فهل كانت الاطراف الخفيّة التي تقف خلف دفع اللجنة للخروج والظهور الإعلامي في المناسبتين هي نفسها التي تُشارك في الحوار الوطني والتي فعلت ما في وسعها لإفشال التوافق حول رئيس الحكومة؟.
وهل كان القصد من الندوتين الصحفيتين هو فعلا التشويش على الحوار الوطني وتوفير غطاء لتحرّك أطراف سياسيّة وتعزيز مناخات عدم الثقة في المشهد السياسي ودفع البلاد الى المزيد من التأزّم وقطع الطريق أمام كلّ محاولات التوافق للخروج من المأزق السياسي، بما يهيئ المناخ لفوضى سياسية تمهد لانقلاب امني مدعوم من أطراف داخلية وخارجية؟
بالتأكيد ، القصد الآن يبدو واضحا ومسار التجييش والتوتير وبثّ الإشاعات ونشر الاتهامات الخطيرة جزافا وبشكل يكاد يكون عبثيّا يؤكد نوايا فعليّة لأجندة خفيّة لأطراف من المعارضة وأساسا من الجبهة الشعبيّة لإفشال مساعي التوافق الوطني الواسع خاصة وأنّ الشخوص التي تتحرّك في هذا السياق (لجنة البحث عن الحقيقة في اغتيال الفقيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي ) أو ذاك (المشاركون في الحوار الوطني) ينهلُون من نفس المعين ويركبون نفس الموجة التي تبحث جاهدة عن مسوّغات لتعفين الوضع العام في البلاد وتحضير الأجواء لعمل انقلابي على المسار الديمقراطي، باستهداف المنظومة الأمنية، وبث الفرقة والفتنة بين قادتها وأجهزتها.
لم يعد ذلك خافيّا على أحد فبعض القوى ضمن جبهة الإنقاذ ، اختارت عمدا وقصدا المتاجرة السياسيّة بدماء الشهيدين ولو أدّى بها الامر إلى اختلاق الأكاذيب والإشاعات المغرضة والتي بلغ البعض منها درجة عالية من الخطورة على الأمن القومي من خلال:
- أوّلا: استهداف العلاقات التونسيّة مع دول الجوار وخاصة مع الشقيقة ليبيا عند اتّهم الطيّب العقيلي القيادي في حزب الوطن الليبي عبد الحكيم بلحاج بالمشاركة في اغتيال الفقيدين وربط اسمه بأنصار الشريعة المحظورة وفي آن واحد بقيادات من حركة النهضة ، وهو أمر سخيف يدلّ على مخطّط الإرباك وتهديد الأمن القومي الذي يرتبط اليوم ارتباطا كاملا مع الأمن القومي للجارتين ليبيا والجزائر.
-ثانيّا: ضرب المؤسّسة الامنيّة التونسيّة والتشكيك في قدرتها وكفاءتها ومحاولة إيجاد شرخ للتشكيك وغياب الثقة بينها والقضاء، والأخطر كشف معطيات وبيانات على غاية من الدقة تهم تجهيزات وزارة الداخلية وهيكلتها في الأبحاث الإجرامية ومكافحة الارهاب في وقت حسّاس بما يُعدّ تعديّا صارخا لأحد ثوابت الأمن القومي العام في حماية الهياكل الأمنية المهتمة بملف الاغتيالات والإرهاب.
وهو الامر الذي استدركتهُ وزارة الداخليّة في بيانها الثاني مساء أمس حينما أشارت إلى أنّه كان من الأحرى إعلام السيد حاكم التحقيق المتعهد بما يُنسب إلى وزارة الداخلية من شكوك وريبة، حتى يتحقق من ذلك قبل كيل الاتهامات الخطيرة جزافا ودون وجه حقّ.
كما لم تفوّت وزارة الداخلية الفرصة لاستهجان ورود أسماء إطارات وأعوان يباشرون قضايا إرهابية مثلما هو الشأن في قضيّة الحال، والتطرّق إلى معطيات تتعلّق بباحث البداية، والحال أنّها محميّة بمقتضى نصوص قانونية واضحة مؤكدة أنّ الوزارة أصبحت بشكل واضح عرضة إلى مهاترات سياسية تستهدف إطارات وأعوان منكبّين على حماية هذا الوطن والذود عنه ومكافحة الإرهاب، وهي عازمة على التتبع القضائي ضد كل من أساء إليها.
- لجنة التخفية على الحقيقة وكابوس الحوار الوطني
وفي المناسبتين (العقيلي والطريفي) بدا وكأنّ "لجنة التخفية عن الحقيقة" تُسابقُ الزمن للتأثير بشكل واسع في المشهد السياسي وقطع أوصال بوادر الثقة التي بدأت تظهر بين الأطراف السياسيّة وملامح التوافق بشكل جعلها تدفعُ بأحد رموز الحركة الحقوقيّة في تونس ،وهو الاستاذ مختار الطريفي الرئيس السابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ، الى فوهة مدافع التشهير بالمؤسسة الامنيّة وكوادرها وتوجيه اتهامات على غاية من الخطورة تنصبّ لا فقط على شُبهة اخفاء التقرير الباليستي عن حاكم التحقيق ، وهي باطلة بحكم ما قدمته وزارة الداخلية من مستندات داحضة، بل في التلويح صراحة بتورّط إطارات الداخلية في عمليتي الاغتيال!!.
ما يجري حالة عبثيّة وفي غاية الغرابة من أشخاص كانوا الى وقت قريب محسوبين على الحياد والاستقلاليّة بل إنّ الأستاذ الطريفي كان من بين المرشحين لرئاسة الحكومة ، ولعلّ ما فعلهُ في ندوته الصحفيّة من حماقات لا يأتيها رجل يصف نفسه بأنّه حقوقي ورجل قانون ، ما فعلهُ أثبت عدم جديّة الاطراف التي اقترحت اسمه على حوار وطني تاريخي وتلاعبها بمصير البلاد وحالة التيقظ التي تميز من اسقط اسم الطريفي من قائمة المترشحين لأهم منصب في الحكم اليوم منذ أوّل عملية غربلة.
إنّ كابوس الحوار الوطني بات يُؤرق الجبهة الشعبيّة التي بدأت جريئة في تخطّى الخطوط الحمر وخاصة تلك المرتبطة بالأمن القومي وأيضاً في تصعيد مخزونها من الشخصيات الحقوقية والعامة بشكل بدا وكأنّها المحطة الاخيرة والحاسمة في أجندة الانقلاب والبحث عن الفوضى وتخريب البلاد، فلا أحد كان ينتظر من الاستاذ الطريفي القبول بلعب مثل ذلك الدور الخطير والوقوع في مطب ملاحقة قضائيّة قالت وزارة الداخلية أنّها عازمة على تنفيذها.
الهدف الاستراتيجي لتحركات لجنة كشف الحقيقة هو تخريب مسار التوافق الوطني والدفع بقوّة لإفشال مسار الحوار الوطني ، وقد أكّدت كلّ المعطيات والمؤشرات تهافت اتهاماتها المتعدّدة والمتكرّرة والمتناقضة والموجّهة لأكثر من جهة لا يستقيم بين البعض منها أيّ ارتباط او امكانية تنسيق او تواطئ (حركة النهضة ، عبد الحكيم بلحاج ، أنصار الشريعة ، إطارات وزارة الداخليّة...) وأيضاً حالة التخبّط التي يظهر عليها أعضاؤها.
لقد أشارت قيادات في الحزب الجمهوري الى أنّ حمّة الهمامي، والذي يتطلع الجميع الى عودته رحاب 18 أكتوبر، كان من اهم الواقفين خلف تعليق الحوار الوطني مؤخراً بإصراره على رفض ترشيح الاستاذ أحمد المستيري وعودته مجددا الى التلويح بورقة الشارع والاحتجاجات وإعلانه نهاية حكومة العريض يوم 15 نوفمبر الجاري مبتعدا بذلك عن كل ضوابط مسار التوافق الوطني والآجال المحدّدة في خارطة الطريق وما يُوجد بين مساراتها من تزامن وترابط.
مختار الطريفي أراد بكلّ تأكيد نسف أيّ إمكانيّة لاستئناف الحوار الوطني قريبا وفتح الطريق لتوافقات وطنيّة تاريخية لإنهاء المرحلة الانتقالية وتأمين السبيل لإنجاز انتخابات في أقرب فرصة مثلما حاول من قبله العقيلي الطيّب تعطيل وارباك انطلاق الجولة الاولى من الحوار.
جوقة الانقلابيين والباحثين عن الفوضى والخراب بدأت تتكشّف فهم اليوم قد غادروا الظلمة والتخفّي الى العلن ، إنّهم يُفصحون اليوم وبكلّ طلاقة عن نواياهم وقد جاء الرد الشافي من قيادات الحزب الجمهوري وخاصة الاستاذ أحمد نجيب الشابي الذي اتّهم صراحة الجبهة الشعبيّة بالبحث عن الانقلاب من خلال دخولها الحوار الوطني وأنّ البحث عن توافقات وطنيّة كان من آخر اهتماماتها..فماذا بعد هذا؟ ألم يشهد عليهم شريكهم في جبهة الانقاذ ؟ ألم تتورّط الجبهة في رفض ترشيح شخصية وطنيّة ديمقراطية وبامتياز لتولّي منصب رئاسة الحكومة ؟ ألم تُثبت تحركات لجنة كشف الحقيقة عن اغتيال الفقيدين بلعيد والبراهمي مقصداً في التشهير والتشويه والتشويش على الحوار الوطني؟.
إنّ الجبهة الشعبية وامتداداتها في الاعلام (قناة نسمة ،اذاعة موزاييك ، الشروق...) والقضاء (كلثوم كنّو ، أحمد صواب...) وفي المحاماة والحركة الحقوقية (مختار الطريفي والطيب العقيلي..) باتت اليوم في مرمى شُبهة المتاجرة بدماء الشهيدين بلعيد والبراهمي لغايات سياسيّة انقلابيّة تروم نسف الحوار الوطني وإفشال مسار الانتقال الديمقراطي....ماذا سيفعلون بعد ما فعلوه؟ ومن هو المتهم التالي في عمليتي الاغتيال؟
يبقى السؤال الأخير هو لماذا عقد الطريفي ندوته الصحفيّة يوم 7 نوفمبر هل هو الحنين وتجديد الولاء للنظام النوفمبري الذي سارع محاولا إنقاذه ليلة 14 جانفي 2011، بمشاركته في تحليل الخطاب الأخير للمخلوع؟ ولماذا تزامنت الندوة الصحفيّة مع إضراب القضاة ؟؟، هل لإتاحة الفرصة للقاضية كلثوم كنّو للحديث في وسائل الاعلام والدفاع عن حق مكذوب لزميلها قاضي التحقيق في اخفاء الداخلية للتقرير الباليستي عنه ؟.
ماذا سيفعلون ايضا ....وسيفعلون بالتأكيد لأنّ مسار الحوار سيتواصل حتما بروحه التوافقيّة وجديّة أغلبيّة الاطراف السياسية الوطنيّة الجادّة والمؤمنة بالمسار الديموقراطي والرافضة للمسارات الانقلابيّة!!.
إنّه الفرز الأخير قبل الوصول الى توافق وطني وبدء مصالحة فعليّة بين العائلات السياسيّة الكبرى وانطلاق تونس في استكمال المرحلة الاخيرة في تجربة البناء الديمقراطي.
komentar masuk : 0
Enregistrer un commentaire